23 ديسمبر 2024 09:24 21 جمادى آخر 1446

رئيس مجلسي الإدارة والتحرير أحمد عامر

أسواق للمعلومات
  • شركات صلاح أبودنقل
اقتصاد

ما هو مخطط إسرائيل في الشرق الأوسط؟

أسواق للمعلومات

يستعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رؤيته لمستقبل اخبار الشرق الأوسط من خلال خطابات وخرائط يظهر فيها تصوره لإسرائيل كقوة إقليمية مهيمنة عقب تطبيع علاقاتها مع عدة دول عربية. وقبل عملية "طوفان الأقصى" بأسبوعين، كشف نتنياهو، في خطابه بالأمم المتحدة، عن خريطة أطلق عليها "الشرق الأوسط الجديد"، تصور منطقة يهيمن فيها التحالف الإسرائيلي-العربي، دون وجود يذكر لدولة فلسطينية. هذا النهج، الذي يعكس طموحات الهيمنة الإسرائيلية، يشبه إلى حد كبير المشروع الأمريكي القديم لإعادة تشكيل المنطقة بقيادة الولايات المتحدة، والذي تبلور بوضوح بعد أحداث 11 سبتمبر، وشكّل ذريعة لإعادة ترتيب الشرق الأوسط عبر غزو أفغانستان والعراق. إلا أن هذه المحاولات الأمريكية باءت بفشل واضح ونتائج عكسية، حيث تكبدت الولايات المتحدة خسائر فادحة وأخطاء استراتيجية كبيرة.

منذ زمن، استغل اليمين الإسرائيلي المحافظ، بقيادة نتنياهو، ذرائع "مكافحة الإرهاب" لشن عمليات عسكرية مكثفة في المنطقة، وكان آخرها الهجوم الواسع على غزة ولبنان عقب عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية "حماس". وتكشف سياسات نتنياهو عن ذهنية استعمارية محضة، حيث تعد الخرائط أداة فعالة لفرض السيطرة على الأراضي وإعادة تشكيلها كما استخدمتها القوى الاستعمارية الأوروبية في السابق.

في خطابه بالأمم المتحدة في سبتمبر 2023، احتفى نتنياهو باتفاقيات التطبيع العربية، مشيرًا إلى أنها ستؤدي إلى "شرق أوسط جديد" تكون فيه إسرائيل في موقع القوة. وظهرت خريطته، المليئة بمناطق باللون الأخضر، للدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، مثل مصر والإمارات والبحرين، مع تجاهل كامل لوجود دولة فلسطينية، إذ طغى اللون الأزرق، الذي يمثل إسرائيل، على كامل الضفة الغربية وغزة.

وأعاد هذا المشهد إلى الأذهان الخريطة التي عرضها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، والتي ضمت الأردن والأراضي الفلسطينية، وعلّق سموتريتش حينها بأنه "لا وجود لشعب فلسطيني"، مما أثار جدلاً كبيرًا.

يطمح نتنياهو إلى توقيع اتفاق سلام مع السعودية، ويدّعي أن هذه الاتفاقيات "الإبراهيمية" تمثل نقلة نوعية في علاقات إسرائيل مع دول المنطقة. ووفق رؤيته، فإن التحالف مع الدول العربية يمثّل إطارًا لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، بهدف تأسيس نظام إقليمي جديد يتجاوز الفلسطينيين تمامًا ويضعهم خارج إطار أي تسوية سياسية.

غير أن طموحات نتنياهو وحلفائه الأمريكيين، وفق استراتيجية الشرق الأوسط الجديد، كانت شرارة لاندلاع موجات من المقاومة الفلسطينية، حيث جاءت عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 لتكشف عن هشاشة هذا المشروع. فقد أسفرت تلك العملية عن تداعيات غير متوقعة، وأظهرت أن الفلسطينيين لن يختفوا أو يتراجعوا تحت ضغط التطبيع أو الحصار، بل يتجدد لديهم الدافع للمقاومة، ما أفشل مساعي إرساء شرق أوسط جديد يعتمد على تهميش القضية الفلسطينية.

يرى العديد من المحللين أن خرائط نتنياهو هي امتداد لأطماع استعمارية تمتد جذورها إلى ما نشره شمعون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" عام 1992، حيث تصوّر بيريز حينها منطقة تتولى فيها إسرائيل القيادة بعد توقيع اتفاقيات سلام مع الدول العربية. وكان الهدف هو دمج إسرائيل بشكل كامل في النظام الإقليمي، وهي الفكرة التي كرستها الولايات المتحدة لاحقًا في مبادرات كبرى، مثل مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي روجت له وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس.

مع ذلك، فقد ظهرت مؤشرات على تحول في المسار بعد فشل الاحتلال الأمريكي للعراق، والانسحاب من أفغانستان، ما أدى إلى تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة. وخلال العقد الماضي، ومع موجة الربيع العربي ثم الانقلابات التي أعقبتها، اتجهت الدول العربية المستبدة للتعاون مع إسرائيل، برعاية أمريكية، من أجل تثبيت استقرارها، مع تهميش واضح للقضية الفلسطينية.

بالتالي، فإن المشروع الذي حلمت به إسرائيل والولايات المتحدة لتأسيس شرق أوسط جديد يخضع لهيمنتهما يبدو أنه يواجه عراقيل جذرية، إذ تأتي الأحداث الأخيرة لتبرهن أن المقاومة الفلسطينية لم ولن تنتهي. ففكرة "السلام عبر القوة" التي يعتمدها نتنياهو استنادًا إلى فرضية خضوع الفلسطينيين للاستعمار، لم تُفلح، وأظهرت أن الفلسطينيين يواصلون مقاومتهم مهما بلغت قسوة الاحتلال.

أسواق للمعلومات أسواق للمعلومات
أسواق للمعلومات أسواق للمعلومات